تحدث القرآن الكريم عن البشارة والبشير والبشرى، وتحدث بالمقابل عن (النذير) و(الإنذار) و(النُّذُر)، فما هو معنى هذا اللفظ لغة، وما هي دلالاته في القرآن الكريم؟
مادة (نذر) لغة:
ذكر صاحب معجم مقاييس اللغة أن (النون)، و(الذال)، و(الراء) كلمة تدل على تخويف، أو تَخَوُّف. ومنها الإنذار: الإبلاغ؛ ولا يكاد يكون إلا في التخويف. وتناذروا: خوَّف بعضهم بعضاً. ومنها النُّذُر، وهو أنه يخاف إذا أخلف. يقال: نذرت بهم، فاستعددت لهم، وحذرت منهم.
ويقال: قد نذرت، أي: علمت ذلك وحذرت. والنذير: المنذر، ويقع على كل شيء فيه إنذار؛ إنساناً كان أو غيره. والجمع النُّذُر. والنَّذْرُ: أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال: نذرت لله لأن شفاني الله لأتصدق للفقراء، أو لأصومن شهراً تطوعاً لله. والإنذار: إخبار فيه تخويف، كما أن التبشير إخبار فيه سرور.
والنَّذارة: الإنذار. والنَّذِيرة: ما يعيطه المرء نذراً. ونذيرة الجيش: طليعته. والجمع: نذائر.
لفظ (نذر) في القرآن الكريم:
ورد لفظ (نذر) بمشتقاته في القرآن الكريم في واحد وثلاثين ومائة (131) موضع، جاء في تسعة وأربعين موضعاً بصيغة الفعل، من ذلك قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما} (مريم: 26)، وجاء في اثنين وثمانين موضعاً بصيغة الاسم.
من ذلك قوله سبحانه: {هذا نذير من النذر الأولى} (النجم: 56). وأكثر الاشتقاقات توارداً من هذا اللفظ لفظ (النذير)، فقد ورد في أكثر من ثلاثين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {فقد جاءكم بشير ونذير} (المائدة: 19). وقد اقترن (التبشير) مع (الإنذار) في القرآن الكريم في ستة عشر (16) موضعاً، منها قوله سبحانه: {إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا} (البقرة: 119).
دلالات لفظ (النذر) في القرآن الكريم:
جاء لفظ (نذر) وما اشتق منه في القرآن الكريم يفيد خمسة معانٍ، هي:
الأول: تحذير الخلق وتنبيههم، من ذلك قوله سبحانه: {أن أنذر الناس} (يونس: 2)، أي: حذرهم من مغبة مخالفة أمر الله. ونظير هذا قوله تعالى: {سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم} (البقرة: 6)، أي: يستوي عندهم تحذيرك إياهم من مخالفة أمر وعدم تحذيرك.
الثاني: بمعنى الخبر، منه قوله عز وجل: {هذا نذير من النذر الأولى} (النجم: 56)، يعني: هذا خبر من أخبار الأمم الماضية. ونظير هذا قوله تعالى: {ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم} (التوبة: 122)، أي: وليخبروا قومهم بواجبات دينهم.
الثالث: الرسل، وهذا كثير في القرآن الكريم، من ذلك قوله سبحانه: {كذبت ثمود بالنذر} (القمر: 23)، أي: بالرسل؛ بدليل قوله سبحانه في آية أخرى: {كذبت ثمود المرسلين} (الشعراء: 141). ونظير هذا قوله تعالى: {ألم يأتكم نذير} (الملك: 8)، أي: رسولي، بدليل قوله سبحانه في آية أخرى: {ألم يأتكم رسل} (الزمر: 71). ومثل ذلك قوله عز وجل: {إنما أنت نذير} (هود: 12).
الرابع: النَّذْر الذي يوجبه العبد على نفسه، من ذلك قوله سبحانه: {وليوفوا نذورهم} (الحج: 29)، يعني: ما أوجبوه على أنفسهم من التزامات. ونظير هذا المعنى قوله عز وجل: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر} (البقرة: 270).
أي: ما أوجبتم على أنفسكم، مما لم يوجبه الله عليكم. ومنه قوله تعالى مادحاً عباده الصالحين بأنهم: {يوفون بالنذر} (الإنسان: 7). وليس غير هذه الآيات الثلاث على هذا المعنى في القرآن.
الخامس: النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا المعنى قوله سبحانه: {وجاءكم النذير} (فاطر: 37)، قال أكثر المفسرين: المراد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقيل: القرآن. وقال عكرمة، وسفيان بن عيينة، ووكيع: هو الشيب.
والحاصل هنا، أن المعنى الرئيس الذي يدور حوله هذا اللفظ في القرآن الكريم، هو معنى التخويف والتحذير والتنبيه على مآلات الأقوال والأفعال التي لا ترضي الله سبحانه وتعالى.
أما معنى (النَّذْر) وهو ما يوجبه الإنسان على نفسه من التزامات فقد جاء في القرآن في مواضع معدودة بالنظر إلى العديد من المواضع التي ورد فيها هذا اللفظ مفيداً المعنى الرئيس الذي ذكرناه آنفاً.
المصدر: موقع إسلام ويب